القضاء التجاري المتخصص رافعة أساسية لتحسين مناخ الاستثمار : الانتظارات والتحديات

عبدالرحيم شميعة

شعبة قانون خاص - كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس - جامعة مولاي إسماعيل مكناس المغرب

الملخص

تساهم التحولات الكبرى التي عرفها العالم على الأقل منذ أواسط القرن الماضي والى اليوم في التأثير على الدولة الحديثة ووظائفها ومجالات تدخلها ، فبعدما كانت هذه الأخيرة محكومة بهاجس الانتماء الإيديولوجي بعد الحرب العالمية الثانية في ظل الثنائية القطبية التي كانت تؤطر العلاقات الدولية، أصبحت قبيل نهاية القرن العشرين مع سقوط سور برلين مهووسة بالفعالية الاقتصادية والنجاعة الاجتماعية كمحددين حاسمين لوجودها ولتموقعها الجهوي والدولي . في ظل هذه المستجدات كان لابد للدول أن تعتمد استراتيجيات اقتصادية تقوم بالأساس على تبني سياسات استثمارية بقطع النظر عن كونها نفطية أولا –لذلك سنلاحظ انه تم خلال تسعينات القرن الماضي وبداية هذا القرن تطوير وعصرنة قوانين المال والأعمال بما يساعد على خلق وتدعيم المشاريع الاستثمارية سواء كانت كبيرة أم متوسطة أم صغيرة أم صغيرة جدا . لقد فرضت حركية الرأسمال العالمي تجاوز الحدود السياسية للدولة مما استوجب سن قوانين للأعمال وللاستثمار متقاربة خاصة تلك المتعلقة بالشركات التجارية والأوراق المالية وقوانين البورصة والتحكيم التجاري وما إلى ذلك . وفي ذات النسق لم يكن بالإمكان السير على هذا المنوال وتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية بمجرد الارتهان والاكتفاء بقضاء عادي –كلاسيكي- أو يطلق عليه بقضاء الولاية العامة الشيء الذي جعل من اللجوء إلى قضاء الأعمال أو قضاء الاستثمار أو القضاء التجاري أمر لا مناص منه لتحقيق الأمن القضائي في ميدان الاستثمار. إن اعتماد قضاء التخصص التجاري في مقامنا لا يعد ترفا بل ضرورة تفرضها طبيعة المعاملات الاستثمارية المعتمدة على السرعة في الإجراءات والبث، ناهيك عن طبيعة القواعد القانونية التجارية التي تحيد في الكثير من الأحيان عن القواعد العامة التي ورثناها مع مطلع القرن العشرين. لقد نجم عن التحولات العميقة التي باتت تعرفها المقتضيات القانونية المنظمة للمشاريع الاقتصادية، خاصة ما يهم المقاولات –قوانين الشركات التجارية-، المعتمدة بالأساس على قواعد الحوكمة، وربط سلطات التسيير بالمسؤولية، وتقوية الجوانب الرقابية للشركاء الغير المسيريين بما يقتضيه ذلك الاعتراف بالقضاء بسلطات واسعة في هذا المجال، سواء تعلق الامر بقضاء الموضوع أو القضاء الإستعجالي، وينضاف إلى ذلك هيمنة عقود الأعمال في مجال التجارة الدولية، عقود تتسم بالتركيب والتعقيد مما يتطلب ضوابط قضائية وإجرائية خاصة جدا. إن طبيعة التنوع في القواعد القانونية التجارية المتسمة بخاصة "التقنية" و "التخصص" تفرض ضرورة اعتماد قضاء تجاري متخصص يكون بمقدوره مواكبة هذا التوجه القانوني الجديد وبما يخدم ويساعد المعاملات الاستثمارية وهو الاختيار التي سارت وتسير عليه جل الدول المتقدمة. إن تبني استراتيجيات اقتصادية واستثمارية تتطلب آليات قانونية وقضائية متخصصة تؤطر وتواكب عالم المال والأعمال المتسم بالتحول المتسارع، هو ما يمكن أن نسجله في بعض التجارب التي تبنت اختيار سياسة القضاء التجاري المتخصص، وهو ما سيكون موضوع هذه الورقة البحثية التي اخترنا لها إشكالية " ما هي أهمية وما هو دور القضاء التجاري المتخصص بين انتظارات التنمية الاستثمارية ورهانات إنجاح هذه التجربة" . وللإجابة على ذلك سنتناول موضوعنا من خلال محورين: • المحور الأول : القضاء التجاري المتخصص ضرورة للسياسات الاستثمارية . • المحور الثاني: رهانات إنجاح تجربة القضاء التجاري لدعم المشاريع الاقتصادية .

الكلمات الدالة

"الاستثمار" "القضاء التجاري" "قوانين للأعمال"