فعالية المبادئ العامة التحكيمية في حل منازاعات الإستثمار مبدأ الإمتداد إلى الغير كنموذج

أحمد إشراقية

قسم القانون الخاص - كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية - الجامعة اللبنانية

الملخص

تعتبر عقود الإستثمار بطبيعتها عقودا معقدة، تتداخل فيها العديد من العقود المترابطة أفقياً وعامودياً، فتترابط فيما بينها سواء من حيث أطرافها وعلاقتهم بالغير، أو من حيث مواضيوعها والنزاعات الناتجة عن تنفيذها. إن تحديد الأطراف في عقود الإستثمار ليس بالأمر السهل، فعادة ما تلجأ الدول إلى إنشاء كيانات قانونية مستقلة تعهد إليها عملية التعاقد مع الغير، كما قد تعمد الشركات إلى إنشاء شركات مستقلة أخرى بجنسيات مختلفة، وتحت ستار الشخصية القانونية المستقلة تدخل هذه الشركات "التابعة" أطرافاً في عقود معقدة ومتداخلة بإسمها ولكن لمصلحة الدولة أو شركتها الأم، فينشأ عن هذا النوع من العمليات المتداخلة العديد من النزاعات التي يكون حلها أمراً كثير التعقيد. يعتبر التحكيم الوسيلة الأفضل لحل النزاعات المتداخلة الناشئة عن هذا النوع من العمليات القانونية، نظراً لما يوفره من إمكانية جمعها في عملية تحكيم واحدة تؤدي إلى تجنب صدور أحكام تحكيمية متعارضة ومستحيلة التنفيذ، و إلى التوفير في المال والوقت. بالرغم من جاذبية هذا الجمع، إلا أنه لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان أطراف النزاع محددين بشكل واضح وقد قبلوا به. فالتحكيم يقوم أساساً على مبدأ حرية التعاقد، والمحكم يستمد سلطته في حل النزاع من إتفاق الأطراف، وكونها عقداً فإن إتفاقية التحكيم لا تنتج آثاراً إلا بين أطرافها. إن البيئة التعاقدية الإستثمارية التي تتميز بتتداخل وتعدد العقود كما بتعدد الأطراف المستقلين عن بعضهم البعض، تجعل عملية توحيد الإجراءات التحكيمية أمراً في غاية الصعوبة. إن ضرورة حل النزاعات المتداخلة ضمن عملية تحكيمية موحدة، دفعت الإجتهاد والفقه التحكيمي سواء الفرنسي أو الدولي إلى إعتماد قاعدة موضوعية تنص على أن الإشتراك في الإجراءات التحكيمية ليس محصورة بالأطراف الموقعين الذين قبلوا اساساً بإتفاقية التحكيم، بل يمكن ان يمتد إلى الغير (غير الموقعين). وفق هذا الرأي الإجتهادي، في حالة العقود المتداخلة (مجموعة الشركات مثلاً)، لا يمكن لأحد أن يتهرب من العملية التحكيمية فقط لأنه لم يوقع على إتقاقية التحكيم. عليه يعتبر المحكم بأن الشكلية لا يجب أن تحجب حقيقة الأمور الموضوعية، وبالتالي فإن سلوك وتصرفات الأطراف تكفي وحدها لإدخالهم في عملية التحكيم حتى وإن لم يكونوا طرفاً فيها، وأن الشكلية في العقود لا تلزم إلا أطرافها الموقعين، بينما أثر إتفاق التحكيم وإمتداده إلى الغير ينشأ عن موضوع النزاع. بالمقابل، نشأ تيار إجتهادي وفقهي آخر، يعتبر بأن إدخال جميع الأطراف، موقعين وغير موقعين، في النزاع الناشئ عن عملية إقتصادية واحدة في عملية تحكيمية متعددة يحمل إعتداءاً على مبدأ إرادية التحكيم، فالتحكيم لا يمكن أن ينشأ إلا عن إرادة الأطراف، وبالتالي يصبح البند التحكيمي عنصراً متحركاً يسبح في فضاء ليس له حدود، وأن جمع النزاعات قد يؤدي كذلك إلى المساس بمبدأ المساواة بين أطراف النزاع. إن الواقعية القانونية والإقتصادية على الصعيد الداخلي والدولي تفترض القفز فوق المبادئ الجامدة والإتجاه نحو مسار يكون في مصلحة العملية الإستثمارية يعتمد على إمتداد البند التحكيمي إلى جميع أطراف النزاع الذين تجمعهم وحدة العملية الإقتصادية. كما أن توحيد العملية التحكيمية ضمن هيئة متعددة الأطراف يكرس فعالية إتفاقية التحكيم والحكم التحكيمي ويؤمن العدالة المرجوة منه في حل النزاع لما فيه مصلحة الإستثمار بشكل عام. مؤخراً عمدت الكثير من الدول مثل فرنسا، الهند والبرازيل إلى تحديث قوانينها من خلال تكريس الإجتهاد القاضي بمد اثر البند التحكيمي إلى غير الموقعين عليه، معتبرة بأن تكريس فعالية التحكيم كوسيلة لحل النزاعات يجعلها أكثر جاذبية للإستثمارات الأجنبية. إن هذا التضارب الحاصل بين المبادئ القانونية والواقعية الإقتصادية يدفعنا إلى التساؤل عن الوسائل القانونية التي يمكن للمحكم أن يلجأ إليها لمد اثر إتفاقية التحكيم إلى الغير وإدخالهم مختارين أو رغماً عنهم في العملية التحكيمية، وما هي الوسائل الإجرائية التي تمكن المحكم من توحيد العملية التحكيمية دون المساس بمبدأ المساواة بين أطراف النزاع. تكمن اهمية هذه الورقة البحثية في نقطتين أساسيتين، الأولى تسليط الضوء على الوسائل والنظريات القانونية التي يمكن للمحكم اللجوء إليها لتعزيز هذه الواقعية الإقتصادية سواء في القانونين اللبناني والفرنسي أو من خلال الإجتهاد التحكيمي الدولي، وثانياً أن فعالية حل منازعات الإستثمار تدخل في صلب تطوير هذا الأخير.

الكلمات الدالة

التحكيم، البند التحكيمي، إمتداد البند التحكيمي إلى الغير، تحكيم متعدد الأطراف