مدى فعالية الوسائل البديلة لتسوية منازعات الاستثمار

فيصل بجـي

القانون الخاص - كلية الحقوق سلا - جامعة محمد الخامس بالرباط المغرب

الملخص

تمثل الاستثمارات في العصر الراهن، عنصراً رئيسياً ترتكز عليه المخططات الاقتصادية في معظم دول العالم، خصوصاً الدول النامية التي تسعى لتنمية اقتصادياتها، وتقوم تلك الاستثمارات عموماً بعدة وظائف لتحقيق الهدف الذي تسعى الدول لتحقيقه، وهو تنزيل استراتيجياتها التنموية عن طريق تنفيذ تلك المشاريع. ولما كانت الاستثمارات الأجنبية التي تحصل عليها الدول النامية تحكمها في الغالب اعتبارات سياسية، فقد اتجهت هذه الأخيرة بغية إنجاز عملية الإنماء الاقتصادي فيها، إلى جذب الاستثمارات الأجنبية الخاصة، ولجأت في الغالب لأجل هذا الغرض إلى إبرام العقود مع المستثمرين الأجانب بحسب ما اقتضته خططها التنموية. لكن ما يلاحظ، أن العقود التي يتم إبرامها في إطار مشاريع الاستثمار، غالبا ما يصر أطرافها الأجانب على التنصيص على شرط التحكيم في مركز من المراكز الدولية، وتحصيل ذلك، أن ظاهرة اللجوء إلى التحكيم كوسيلة لفض المنازعات الناشئة عن تلك الاستثمارات، توسعت لتشمل المنازعات بين الدول أو مؤسساتها من جهة، وبين المستثمرين من جهة أخرى. وبعد أن كانت عقود الاستثمار الدولية بشكل عام تثير منازعات تتميز بالتعقيد بالنظر لدوليتها، فإن العقود المبرمة بين الدول المضيفة والمستثمرين الأجانب تثير منازعات أكثر تعقيدا،ً اعتبارا لوجود الدول كطرف في العلاقة التعاقدية غالبا. كما أن إصرار المستثمر الأجنبي على شرط التحكيم في المراكز الدولية يثير التوجس من إشكالية تهريب المنازعات المحتملة إلى الخارج، وهو ما يشكل تهديدا حقيقيا لإنجاح المشروع الاستثماري وتحقيق النمو الاقتصادي، بالنظر للأحكام التي قد يصدرها محكمو تلك المراكز. في هذا الصدد يشكل المؤتمر السنوي الدولي السابع حول ''التنظيم القانوني لتطوير الاستثمار''، فرصة حقيقية للانخراط في مناقشة الوسائل البديلة لفض منازعات الاستثمار لا سيما الوساطة والتحكيم، خاصة من زاوية البحث حول مدى فعالية ونجاعة هذه الوسائل في تحقيق ما لم يحققه القضاء، على اعتبار أن أسلوب العمل القضائي التقليدي، لا يتيح له الاستجابة لبعض القضايا عن كتب، ما يفتح المجال أمام هذه الوسائل للقيام بدور رئيسي للحلول المتفاوض عليها. وبما أن العدالة تهدف فعليا إلى تأمين السلم الاجتماعي وإعادة بناء الروابط والعلاقات الاجتماعية، فإن الوسائل البديلة لتسوية المنازعات تحل مكان القانون الجاهز، وتعمل على وضع قانون على القياس لكل حالة بمفردها، وهو ما جعل القضاء المقارن وخاصة الأنكلوساكسوني يقوم بدور رئيسي في إيجاد الحلول البديلة، وإن كان التيار المحافظ داخل الجسم القضائي لا زال يرى بأن تطبيق الوسائل البديلة يفقد القضاء سلطته، ويعتبر الكثيرون بأن الحل القابل للتفاوض خارج الدعوى سينزع قواعد عملهم في القضاء، ما طرح مجموعة من النقاشات، لكن ما أثارنا بالضبط هو مدى فعالية هذه الوسائل في تحقيق ما لم يحققه القضاء الرسمي، وبالتالي كان يتعين الانتباه إلى السؤال التالي: ''إلى أي حد يمكن القول بفعالية نظام الوسائل البديلة لتسوية منازعات الاستثمار ؟''. في هذا الإطار، تندرج هذه الورقة ضمن المحور الثاني من برنامج المؤتمر، المتعلق بـ ''السلطة الرقابية الإدارية والقضائية على المشاريع الاستثمارية'' في النقطة الأخيرة المتعلقة بـ ''تقييم جدوى وجدية دور التحكيم والوسائل البديلة في حل المنازعات الاستثمارية (كثرة منصات التحكيم، مرجعية وقوانين التحكيم، تنفيذ أحكام وآثار قرارات التحكيم). وستتم مناقشة هذه الإشكالية والإحاطة ببعض أسئلتها الفرعية من خلال المحورين التاليين:  المحور الأول: الوسائل البديلة لفض منازعات الاستثمار وإشكالية المشروعية  المحور الثاني: البيئة القانونية الوسائل البديلة في منازعات الاستثمار وسؤال الفاعلية

الكلمات الدالة

الوسائل البديلة لتسوية المنازعات، الوساطة، التحكيم، منازعات الاستثمار