المعالجة التشريعية الحديثة للظروف الطارئة في عقود الاستثمار

محمد المشد

القانون المدني - معهد مصر العالي للتجارة والحاسبات بالمنصورة - معهد مصر العالي للتجارة والحاسبات بالمنصورة

الملخص

المُلخص تحتاج غالبية الدول إلى عقود الاستثمار؛ لكونها تلعب دورًا مهمًّا في عملية التنمية الاقتصادية للدول المضيفة له، حيث إنه يمكِّنها من استغلال مواردها، لكن عقود الاستثمار من عقود التنفيذ المتراخي التي قد تتغير ظروف إبرامها عن ظروف تنفيذها، فتحتاج إلى آليات تحكم استقرار العقد كمبدأ الثبات التشريعي وعدم المساس. وبالتالي، تعدُّ عقود الاستثمار من العقود الفورية متراخية التنفيذ التي تدخل الدولة طرفًا فيها مع الطَّرَف الآخر، وهو عمومًا، المستثمر، سواء كان شخصًا طبيعيًّا أو معنويًّا، والواقع أنَّ ذلك يترتب عليه أنْ تكون العقود ذات طبيعة مختلفة عن العقود العادية، فالمراكز القانونية للطرفين في هذه العقود تكون مختلفة، وغير متوازية، فهناك طرف يتمتع بالقوة الاقتصادية والتكنولوجية، وهو المستثمر الأجنبيُّ، وطرف آخر يتمتَّع بصفة السِّيادة والسُّلطة، وهو الدولة. ولا جدالَ أنَّه ما دام العقد ممتدًّا في الزمن، فإنه سيكون عرضةً للتأثر بتغيُّر الظروف المحيطة به. فالظروف المحيطة بإبرام عقد ممتد لعشرات السنوات لا يمكن أن تبقى على حالها طوال هذه المدة. إذا طرأ تغيُّر على الظروف المصاحبة لتكوين العقد، فإن هذا سيؤثر بلا شكٍّ على بعض عناصر العقد وتتأثر تبعًا لذلك التزامات المتعاقدين. ومن المسلم به؛ أن التغيراتِ في الظروف المحيطة بتنفيذ العقد يمكن أن تؤثر بشكلَيْن مختلفَيْن على حياة هذا العقد؛ فإما أن يجعل تنفيذ العقد مرهقًا ومكلفًا للمدين، أو أن يعوق تنفيذ هذا العقد سواء بصفة كلية أو جزئية. وفي الحالة الأولى يبقى تنفيذ هذا العقد ممكنًا، ولذا فإن الأطراف يحاولون دائمًا إيجاد علاج مناسب للآثار الناتجة عن هذا التغير والتغلب على المشكلات التي يصطدم بها تنفيذ هذا العقد، وهذا هو المجال الذي أقصده، أما في الحالة الثانية فإن الأمر يتعلق باستحالة في التنفيذ، والأثر الطبيعي الذي تخلفه هذه الاستحالة هو وقف العقد في حالة الاستحالة المؤقتة، وانفساخه في حالة كونها نهائية. فظهرت أهمية وجود ضماناتٍ تشريعيةٍ للاستثمار؛ وإذا كانت الحماية التشريعية مهمةً للمستثمر في المحافظة على ملكيته وأمواله من التأميم والمصادرة ونزع الملكية... إلخ، فإنها مهمةٌ أيضًا وبنفس القدر للدولة المضيفة؛ حيث تعول على إسهام الاستثمارات في بناء أو إصلاح هيكلها لدفع عجلة الإنتاج والتنمية بها. وأضحت المعالجة التشريعية والقضائية لفكرة تغيُّر الظروف تأتي في الأهمية بعد تدخُّل أطراف العقد. وتتجلى هذه الأهمية إذا تعلق الأمر بمعاملة ذات عنصرٍ أجنبي، حيث تظهر مصلحة الأطراف واضحةً في حماية أنفسهم ضد آثار تقلبات الظروف المحيطة بتنفيذ عقدهم، أيًّا كانت طبيعتها، وقد خلق الفن التعاقدي أكثر من حلٍّ لمواجهة هذه التغيرات. وقد تباينت الحلول التشريعية لدرء مخاطر الظروف الطارئة، وبالتالي يمكن تقسيم هذه التشريعات إلى ثلاث مجموعات، الأولى: تشمل القوانين التي ترفض كلية الأخذ بالنظرية، ويندرج في المجموعة الثانية، القوانين التي تعترف قضائيًّا بالنظرية دون وجود نصٍّ تشريعي، وتضم المجموعة الثالثة الدول التي ينظم تشريعها هذه النظرية. ويحمد للمشرع الفرنسي أنه أورد نصًّا مستحدثًا بمقتضى تعديل العاشر من فبراير 2016، عالج به على نحوٍ جديدٍ نظرية الظروف الطارئة وذلك في المادة (1195) مدني فرنسي، التي قررت الآتي: "لو تغيرت ظروفٌ لم تكن متوقعةً عند إبرام العقد، بحيث جعلت التنفيذ مرهقًا بدرجةٍ كبيرةٍ بالنسبة لأحد الأطراف، الذي لم يكن قد قَبِلَ تحمُّل المخاطر، فإن هذا الأخير يستطيع المطالبة بإعادة التفاوض بشأن العقد مع المتعاقد الآخر، ويستمر في تنفيذ التزاماته طوال فترة إعادة التفاوض. وبناءً عليه؛ نحاول أن نكشف بموجب هذا البحث عن الآليات التشريعية الحديثة المتباينة لتفادي مخاطر الظروف الطارئة في عقود الاستثمار، ومدى استجابة البيئة الاستثمارية لهذه الحلول ومدى كفايتها وكفاءتها.

الكلمات الدالة

" لدرء مخاطر الظروف الطارئة" " حلول لمواجهة"