"السياسة الجنائية والتشريعية للحد من مخاطر العملات الافتراضية وتأثيرها على الشمول المالي"

مروى السيد السيد الحصاوى

القانون الجنائي - كلية الحقوق - جامعة المنصورة- مصر

الملخص

استخدمت النقود منذ إنشائها لتسهيل عملية تبادل السلع والخدمات، وكوسيط في البورصة، ولأداء هذا الدور فيجب أن تتوافر بها قيمة في ذاتها. ومن جهة أخرى فإن النقود حتى تكون مقبولة باعتبارها مالا في نظر القانون يجب أن تكون محددة بمعرفة السلطات المختصة في الدولة، أو تكون محلا للقبول العام بوسائل القبول المختلفة في المجتمع. ويمكن للتكنولوجيا أن تقدم عدة أشكال للعملات الافتراضية التي يجرى التعامل بها في الفضاء الافتراضي. شهد العالم تطور العملة النقدية من تاريخ ظهورها عبر العصور إلى أن أصبحت عملة الكترونية, ولم تقف إلى هذا الحد بل دخلت عالم التشفير الرقمي, مما زاد اهتمام الباحثين الماليين, ورواد الذكاء الاصطناعي, بجميع اختصاصاتهم للبحث فى آلية التشفير, وكيف يمكن توظيف التشفير الرقمي الالكتروني فى حماية العملة الالكترونية من التزوير. ظهرت عملات افتراضية كثيرة جدًا خلال السنوات العشرة الماضية, وقدرت أكثر من 1657 عملة افتراضية, لكن أشهرها عملة البتكوين, والتي ظهرت لأول مرة فى عام 2009, ويتم تداولها على مستوي العالم, وتتصف بالسرعة, والأمان, والرسوم المخفضة. كما تميزت الأدوات المالية المختصة بالعملة الافتراضية المشفرة البتكوين بالموضوعية, ليتم تداولها وفق أسس منتظمة وموثقة ضمن قوائم محاسبية إلكترونية, مما يصعب تزويرها أو التلاعب فيها, "حيث تخزن البيانات والمعلومات لجميع عمليات البتكوين فى سلاسل على شكل كتل وتجمعات مرتبطة بعضها ببعض, باستخدام صيغة الخوارزميات وتسمي "Blockchains" وهي كدفتر حسابات ضخم, تسجل فيه جميع عمليات تعداد البتكوين الموجودة ضمن قواعد بيانات ضخمة.( ) ما يُميّز البيتكوين وسائر العملات المشفّرة هي واقعة قيامها بشكلٍ مستقل عن أي مصرف أو دولة، فهذه العملات ليست بحاجةٍ لمصرفٍ مركزي لإصدارها ولا لوسيطٍ لاستكمال معاملاتها. بل ببساطةٍ، تعتمد على تقنية البلوكشاين Blockchain Technology وهي عبارة عن سجل عام موزّع Distributed Ledger، تسمح بتسجيل البيانات ونقلها على الشبكة مستندةً إلى تقنية التشفير Cryptography. اعتقد البعض أنّ العملات المشفّرة ثورة في عالم المال والاقتصاد والتكنولوجيا، لقدرتها على تهديد المصارف المركزية التي تحتكر سلطة إصدار النقود. على الرغم من قيامها بمعزلٍ عن أي مصرف ووسيط، فإنّها توفّر السرعة الفائقة في إتمام العمليات التي تُنجز مقابل رسم تحويل بخس، في ظل بيئة رقمية آمنة ومشفّرة مزوّدة بخاصية المَجْهُولِيَّة Anonymity أو على الأقل بشبه المَجْهُولِيَّة Pseudonym.( ) كانت هذه الخصائص كافلة لتحوّل العملات الافتراضية والمشفّرة إلى بيئة حاضنة للمجرمين السيبرانيين الذين اتّخذوا منها ملجأ لإخفاء محاصيلهم الإجرامية، ووسيلة مبتكرة لارتكاب جرائمهم خصوصًا في النطاق الباطني لشبكة الإنترنت DarkWeb بعيدًا عن متناول سلطات إنفاذ القانون. ( ) ولطالما كانت المصارف غير محبّبة من قبل المجرم السيبراني، نظرًا لسيادة القوانين والأنظمة التي تُمكّن من تتبّع أي حركة مشبوهة وملاحقتها، وصولًا إلى مصادرة الأموال غير المشروعة كافة. وعليه، كان من المتوقع أن تؤدّي العملات الافتراضية والمشفّرة دورًا محوريًا في عالم الإجرام الإلكتروني، فقد تحوّلت إلى وسيلة الدفع الرئيسية في السوق السوداء المخفية في زوايا الإنترنت، والتي توفّر سوقًا لبيع السلع المحتكرة أو الممنوعة كالمخدرات والأسلحة، والخدمات غير المشروعة كالاتجار بالأشخاص والأسلحة والأعضاء البشرية. ناهيك عن استغلالها لتمويل المنظمات الإرهابية وتبييض الأموال وسائر الجرائم الاقتصادية والمنظّمة العابرة للحدود. لذا جاء اهتمام المؤسسات المالية الدولية والبنوك المركزية لوضع حد لمخاطر استخدام العملات المشفرة على الاقتصاد القومي والعالمي, وتأتي خطورة التعامل بالعملات الافتراضية كونها تختلف عن العملات التقليدية بعدم وجود هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها، أي لا تخضع لرقابة البنوك المركزية ولا قوانينها، ولكن يمكن استخدامها كأي عملة أخرى للشراء عبر الإنترنت، أو حتى تحويلها إلى العملات التقليدية.

الكلمات الدالة

العملات الافتراضية المشفرة -البتكوين-البيانات الرقمية-الشمول المالي- المخاطر الاقتصادية