عوائق المناخ القانوني الأصليّ للاستثمار (أحكام العقود مثالا)

محمد بن أحمد محفوظ

قسم القانون الخاص - كلية الحقوق - جامعة صفاقس - تونس

الملخص

كثيرة هي الدّول العربيّة الّتي عيّنت قوانين خاصّة بالاستثمار؛ ولكن العديد ممّا تتضمّنه هذه من أحكام لا يقصي دائما الأحكام الأصليّة من الانطباق؛ وهذا الوضع يصادف بالنّسبة لأحكام العقود، الخاصّة ببعضها والمشتركة بين جميعها. وما يلاحظ في مجمل هذه الأحكام ذات الأصل الفرنسيّ بالأساس، غياب التّلاؤم بينها وبين ما ينتظره المستثمرون من دقّة ومقروئيّة ومن أمن قانونيّ واستقرار فيما ذكر؛ وهذا واقع يمكن أن يلمس، سواء بالنّسبة للأحكام المتعلّقة بالفترة السّابقة لإبرام العقود (I) أو بالنّسبة لتلك المتعلّقة بالفترة اللاّحقة لذلك (II).   (I) غياب الملائمة في بعض الأحكام المتعلّقة بالفترة السّابقة لإبرام العقد (أ) انعدام أحكام دقيقة تنظّم فترة المفاوضات لا تتضمّن المنظومات العقديّة عامّة أحكام دقيقة تنظّم هذه الفترة؛ وهذا وضع لا يلائم الاستثمار، خاصّة اعتبارا لما تقتضيه الظّاهرة الاستثمارية من تسبيق لمبالغ غالبا ما تكون هامّة ؛ وكثيرا ما تجنح الأطراف هنا إلى إبرام اتّفاقات تمهيديّة تحاول بمقتضاها تنظيم علاقاتها، لاسيما فيما يتوجّب على كلّ طرف أن يؤدّيه للآخر من التّمويل القبليّ وما يتحمّله تجاهه من التّعويض عند النّكول؛ ولكن ما يلاحظ بصفة عامّة بعض الغموض فيما يتعلّق ببعض الكتائب، ومنها ما يُتعارف عليه بوعود التّعاقد، لاسيّما فيما يتعلّق بطبيعتها وبإلزاميّتها... (ب) تردّد الأحكام المتعلّقة بأركان التّعاقد ما يلاحظ في هذه الأركان عامّة التّوسّع فيها إلى الشّكليّة الّتي غالبا ما تتجسّم بالتّراخيص القبليّة؛ وما يلاحظ في هذه التّراخيص عامّ الهيمنة فيها لاعتبارات السّيادة وهو موقف يندرج ضدّ التّوجّه السّائد لدى عديد دول العالم الغربي، فضلا عن كونه يعود إلى فترات سابقة لم يعد هناك من بد للتّشبّث بها... هذا من جهة ومن أخرى فما يلاحظ بباب الأركان أيضا أنّ ما له منها الّطبيعة الموضوعيّة مسبّق عمّا له فيها الطّبعية الذّاتيّة؛ وما له فيها الطّبيعة الذّاتية (الأهليّة والرّضاء) لا يعتدّ بالقيمة بالمعنى الحسابيّ، حال أنّ المعطى المذكور هو ما يهم المستثمرين بالأساس. أمّا ما له من الأركان الطبيعة الموضوعيّة، فغالبا ما تجد فيه غموضا مردّه جملة من المفاهيم الفضفاضة من مثل الجواز، والمشروعيّة، والأخلاق الحميدة، والنّظام العامّ، والّتي غالبا ما تساق في النّزاعات المتعلّقة بالأوضاع اللاّحقة لإبرام العقد. (II) غياب الملائمة بالنّسبة للأحكام المتعلّقة بالأوضاع اللاّحقة لإبرام العقد (أ) تذبذب أحكام تتعلّق بمراجعة العقود يؤمّل المستثمر طيلة فترة استثماره التمتّع بالاستقرار من جهة وبالأمن القانونيّ من جهة أخرى؛ ويقتضي الأمن القانونيّ تمكينه من مراجعة الالتزامات المتقابلة، لاسيّما عندما تحصل ظروف تجعلها غير متكافئة على حسابه؛ ولكن ما يصادف بصفة عامّة استنكاف القوانين من هذه المسألة، وهو ما يتّضح من خلال التّحسّب من نظريّة الظّروف الطاّرئة الّتي تؤسّس لذلك، وتحسّب من البنود الّتي تستقرّ عليها الأطراف بداية أو تتصادق عليها لاحقا بتمكينهم من ذلك، بعلّة تصادم ذلك ومقتضيات النّظام العامّ بمختلف محتوياته، وبمحتواه النّقديّ الماليّ، بالخصوص... (ب) تردّد أحكام تتعلّق بتنفيذ العقود من ذلك ما يهم مآل التّسبقات (العربون)، أو الجبر على تنفيذ المتّفق عليه؛ وتظهر النّقائص بالخصوص فيما يتعلّق بما يتوجّب على كلّ طرف أن يعيده للآخر من التّعويضات؛ وفي اعتقادنا أن ما يقلق المستثمرين أكثر هي المواقف القضائيّة الّتي تتردّد في جواز ذلك من عدمه، وفي تولّي القضاء القيام بذلك، دون ضوابط تذكر... وكلّها مسائل تتطلّب تدخلات سريعة قصد التّوضيح... كما يوجب تهيئة المناخ القانوني الملائم للاستثمار أيضا تعديل عديد الأحكام الإجرائيّة، لاسيما تلك الّتي تجعل المحكّمين في حاجة إلى قرارات تصدر وجوبا عن هيئات القضاء الرّسميّ.

الكلمات الدالة

الاستثمار، العقود، غياب الملائمة، الاستقرار القانوني، المفاوضات