برعاية

Sponsored By

الوساطة الاتفاقية والقضائية لتسوية المنازعات الإدارية في القانون الفرنسي

د. سماح خمان
عضو هيئة التدريس – القانون الخاص – كلية القانون الكويتية العالمية – الجزائر

الملخص

تمثل الوساطة أحد الوسائل البديلة لتسوية المنازعات، يلجأ فيها أطراف النزاع لشخص ثالث يسمى الوسيط يتولى مهمة التقريب بين وجهات نظرهم المختلفة للتوصل إلى تسوية ودية بينهما. فإما أن يتم اللجوء إليها باتفاق الأطراف وقبل طرق باب المحاكم فتكون وساطة اتفاقية، أو أن يتم اللجوء إليها بعد رفع الدعوى القضائية وبإحالة من قاضي الدعوى فتسمى وساطة قضائية. وقد وجد البعض في الوساطة بنوعيها الملاذ الآمن للهروب من مشكلة بطيء وتعقيد إجراءات التقاضي أمام المحاكم، لذلك ارتأى المشرع الفرنسي تبنيها وقرر إدراجها رسمياً ضمن الإطار التشريعي بموجب القانون رقم 125/95 الصادر بتاريخ 8/2/ 1995.

ويبدو أن المشرع الفرنسي قد اتجه بموجب قانون 8/2/1995 إلى توسيع نطاق القضايا التي يجوز اللجوء بــــشأنها للوساطة كوسيلة بديلة لحـــل النزاع القائم، وذلك عـــــندما أعطى -بموجب نص الفقرة الأولى من المادة 131 من هذا القانون- قاضي الدعــوى “le juge saisi d’un litige” صلاحية تعيين الوسيط في أي حالة تكون عليها الدعوى. ويجمع الفقه في فرنسا على أن le juge الوارد النص عليه في صدر هذه المادة يتسع ليشمل كل قاضٍ في فرنسا، بما في ذلك القاضي الإداري، ويستند الفقه في تفسير ذلك إلى نص المادة 749 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي، والتي تصرح بتطبيق أحكام قانون الإجراءات المدنية أمام جميع الدوائر “”toutes les juridictions de l’ordre judiciaire، بينما يرى البعض الآخر عدم إمكانية اللجوء للوساطة في تسوية المنازعات الإدارية استنادا إلى فكرة النظام العام التي يقوم عليها القانون الإداري في مجمله. لذلك ثار جدلا فقهيا واسعا هناك حول ما إذا كان يجوز اللجوء للوساطة القضائية في المنازعات الإدارية من عدمه. أما الوســاطة الاتفاقية في فرنسا فتعود جذورها لفكرة الامبودسمان أو ما يعرف بـ le mediateur de la republique .

أهمية البحث:

الحديث عن الوسائل البديلة عموماً كالمفاوضات والتوفيق والتحكيم والوساطة، يثير في أذهاننا بشكل تلقائي ما يعانيه المتقاضون في المحاكم بين إداراتها المختلفة من جهة وجلساتها من جهة أخرى، فظهر التحكيم الذي رأى فيه الكثير من المتنازعين ضالتهم للهروب من قاعات المحاكم، وبدأت إجراءاته اليوم أمام المؤسسات التحكيمية تسير مسار إجراءات التقاضي أمام المحاكم، بسبب تعقيدها وطول أمدها، بل وارتفاع تكاليف وأتعاب المحكمين المختصين فيها على نحو يفوق بكثير إجراءات التقاضي أمام محاكم الدولة

لذلك، وعلى الرغم من وجود الطريق الأصلي وهو التقاضي، والطريق البديل وهو التحكيم، لا يمكن أبدا إنكار أهمية السعي الحثيث والبحث الدائم والمتواصل عن وسائل بديلة لتسوية المنازعات بين الأفراد أو بينهم وبين إدارات الدولة المختلفة بعد تكدس القضايا الادارية أمام مجلس الدولة الفرنسي والمحاكم الادارية بشكل عام. ومن هنا يكتسب الحديث عن الوساطة والوساطة القضائية في المنازعات الإدارية أهميته التي لا تقل أهمية فعالية التحكيم في الفصل في هذا النوع من المنازعات.

إشكالية البحث:

الواقع أن اختصار الوقت، والجهد، والمال، والإجراءات، يمثل أحد أهم المميزات التي دفعت المشرع في الكثير من الدول إلى تبني الوساطة كوسيلة جديدة لتسوية المنازعات بين الأفراد كالمشرع الفرنسي والسويسري والأردني والجزائري. ولكن، إذا كان من المتفق عليه أن المنازعات المدنية والتجارية تمثل المجال الطبيعي لتطبيق الوساطة بنوعيها، بالنظر إلى ما تقدمه من مميزات، فهل يمكن اللجوء للوساطة الاتفاقية أو حتى القضائية في المنازعات الإدارية؟ أم أن قيام القانون الإداري في مجمله على فكرة حماية ورعاية النظام العام قد تمنع اللجوء للوساطة لتسوية المنازعات الإدارية؟ وإذا كان لهذا القول وزنه فلماذا قد تسمح القوانين باللجوء للتحكيم لتسوية بعض المنازعات الإدارية وتمتنع عن تبني وسائل تسوية جديدة كالوساطة، لتسوية هذه المنازعات  وتحقيق ذلت الهدف من السماح باللجوء للتحكيم وهو السعي نحو حا اشكالية بطء وطول أمد التقاضي .

حصر نطاق البحث:

بين مؤيد ومعارض في الفقه الفرنسي، يعالج هذا البحث رأي الاتجاهين في سبيل التوصل إلى مدى إمكانية اللجوء للوساطة الاتفاقية والقضائية لتسوية المنازعات الإدارية، موضحين موقف القانون والقضاء في فرنسا من ذلك، مع بيان القيود التي قد تحول دون تطبيقها في بعض المنازعات الإدارية بشكل خاص.

السيرة الذاتية